يبدو بديهياً أن الحياة السياسية، بنخبها ومؤسساتها ومشاريعها ،هي إنتاج طبيعي للأحزاب السياسية،فمهما بلغت حيوية المجتمع المدني،وثراء وتنوع التيارات الفكرية، وفعالية المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية،فإن ذلك لا يغني عن هيكلة إطارات حزبية،تنظم التعبير والتعدد والتنافس والتداول على الحكم،كما تقتضي النظم الديموقراطية الجديرة بهذا الاسم.وكلما كان هذا النسيج الحزبي قويا ومتماسكا في رؤاه وتمايزاته وتأثيره على الرأي العام،كلما أنتج حياة سياسية مستقرة متماسكة وقادرة على تدبير عقلاني للمصالح المشتركة.وهذه الحياة السياسية تنجح بدورها في انتاج حياة حزبية على مقاس تطلعاتها وقوتها.
لكن هذا المعطى البديهي، لا يبدو كذلك في التجربة المغربية،ولم يستقر بعد كمعطى نهائي في مشهدنا السياسي.إذ كثيراً ما نلاحظ اختلالا في هذا التأثير المتبادل فنرى نقط القوة والضعف ينبعان أحياناً من عوامل خارج هذا التأثير المتبادل، وأكثر من ذلك،فإن كلا المجالين يحمل مسؤولية اختلالاته للمجال الآخر.فما أكثر ما نسمع أن ضعف المؤسسات،وعدم توازن السلط،ومحدودية التقييم والمراقبة،وإحجام المواطنين عن المشاركة والشباب عن الانخراط في العمل السياسي،وضحالة النقاش العمومي،وضعف الثقافة السياسية وانفصام الفكر عن السياسة،كل ذلك يرجع إلى تراجع الحياة الحزبية وعجزها وتشرذمها.وما أكثر ما نسمع كذلك أن هذا الوضع الحزبي هو نتاج طبيعي لتعثر البناء الديموقراطي،بل هناك من يزعم أنه وضع منظم لإبقاء الأمور على ما هي عليه.
وفي كل الأحوال،فإن تبادل الإعاقة من المجالين،تكبل التحولات السياسية والثقافية في البلاد،مما يؤدي إلى بروزمظهرين مقلقين،تنامي المحافظة والتقليد من جهة، واضطراب البناء الديموقراطي من جهة أخرى؟
هل يمكن الخروج من هذا المأزق؟
ما هي الإصلاحات الضرورية لإحلال التفاعل الإيجابي بين المجالين محل الإعاقة المتبادلة،؟
ما هي المبادرات الفكرية والسياسية التي يمكن أن تساعد على ذلك؟
هل هناك مؤشرات على إمكانية انبثاق قوى جديدة تخلخل هذا الجمود؟